القائمة الرئيسية

الصفحات


 

من للقدس الآن يخلصه من اليهود هل من صلاح؟ هل من ناصر ؟

لو كان صلاح حياً الآن أكان يسكت.. أكان يخذل استغاثة الأقصى.. لا بلا شك، إن شجاعة صلاح الدين، وعزته بدينه جعلته يضحي بكل أمواله ليحرر القدس من الصيليبيين، وهذا لم يكن يتحقق إلا بعد توحيد صفوف الأمة، وجمع كلمتهم. وفي هذا الكتاب نتعلم من صلاح الدين درس النصر على الأعداء، وتحرير الأوطان.

مولد بطل:

كان نجم الدين أيوب والد صلاح الدين حاكماً على مدينة تكريت.. وذات يوم عاقب نجم الدين رجلاً نصرانياً، لأنه تعرّض لإحدى الجواري، فلما علم مجاهد الدين نهروز بهذا الخبر، كتب إلى نجم الدين أيوب يقول له: إن أباك كانت له علي خدمة، وإني أكره أن أسوءك، ولكن انتقل منها. فخرج نجم الدين أيوب من مدينة تكريت ليلاً، وقبل خروجه من المدينة زفت له بشرى بمولود جديد قد ولد له، فتشاءم نجم الدين بمولده هذا؛ لأنه جاء عند فقده بلده وطنه، فقال له الناس: نحن نرى ما أنت فيه من التشاؤم بهذا المولود، فما يؤمنك أن يكون هذا المولود ملكاً عظيماً، فكان كما قالوا. وقد سمى نجم الدين أيوب ابنه صلاح الدين يوسف، وكان مولد صلاح الدين يوسف بن نجم الدين أيوب في عام 532هـ (1137م).

نشأة فارس:

نشأ صلاح الدين يوسف بن نجم الدين أيوب محباً للفروسية، مبارزاً، وقام على تدريبه على مبادىء الفروسية خيرة المدربين في ذلك الوقت. لقد فرضت الظروف على صلاح الدين النشأة العسكرية؛ فهو أمير بن أمير، وعمه أيضاً أمير. فقد التحق أبوه نجم الدين أيوب، وعمه أسد الدين شيركوه بخدمة عماد الدين زنكي بعد خروجهما من تكريت، وظل نجم الدين مقرباً من عماد الدين زنكي حتى تولى إمارة بعلبك، وأصبح أخوه أسد الدين شيركوه من أكبر قواد عماد الدين زنكي، وهكذا كبر صلاح الدين وهو يرى أباه أمير بعلبك، وعمه أسد الدين من قواد السلطان. ولم يفت صلاح الدين يوسف بن نجم الدين أيوب أن يأخذ قسطاً وافراً من العلوم بجانب الفروسية والقيادة، فحفظ القرآن والحديث، وقرأ الفقه، وحفظ ديوان الحماسة لأبي تمام. وهكذا شب صلاح الدين قائداً محباً للعلم وأهله عابداً لله.

أول مهمة حربية:

طلب وزير مصر المخلوع شاور من السلطان نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي أن يرسل جيشاً قوياً على نفقة أهل مصر، للقضاء على الصليبيين الذين تعاونوا مع الوزير ضرغام.. وعلى الفور أمر السلطان نور الدين محمود أميره شيركوه بتجهيز الجيش، وخرج شيركوه من بلاد الشام وكان معه في مقدمة الجيش ابن أخيه صلاح الدين يوسف بن نجم الدين أيوب.. حيث كانت هذه أول مهمة حربية رسمية لصلاح الدين. انطلق جيش شيركوه نحو مصر، وقبل أن يصل الجيش إلى مصر، انسحب الصليبيون، ودخل صلاح الدين مع عمه شيركوه مصر، وأعادوا الوزير شاور إلى منصبه.. وبعد أن استقر الحال للوزير شاور واطمأن على وزارته قابل هذا الإحسان بالإساءة، ولم يدفع نفقات الحملة كما وعد السلطان نور الدين، وطالب شاور الأمير شيركوه بالانسحاب من مصر، ولكي يجبر شيركوه على الانسحاب تحالف مع الصليبيين. وأقبلت جحافل الصليبيين المتعاونة مع جيش شاور نحو مصر، فاستشار شيركوه الأمراء، فكلهم أشاروا عليه بالرجوع لبلاد الشام لقلة عددهم أمام جحافل الصليبيين، ولم يوافق أحد على قتالهم إلا صلاح الدين ورجل آخر، فقد قال صلاح الدين يوسف بن نجم الدين أيوب: من خاف القتل والأسر فليقعد في بيته عند زوجته.. فلما رأى شيركوه ذلك قرر التصدي للصليبيين، وأظهر صلاح الدين في هذه المعركة شجاعة نادرة، وتم النصر لجيش شيركوه، ودخل شيركوه مصر، وكان أول شيء فعله صلاح الدين عند دخول مصر هو القضاء على الوزير الخائن شاور، وقال في ذلك الشاعر :

هيا لمصر حو يوسف ملكها

بأمر من الرحمن كان موقوتا

وما كان فيها قتل يوسف شاورا

يماثل إلا قتل داود جالوتا

وزير مصر:

استقر صلاح الدين يوسف بن نجم الدين أيوب في مصر مع عمه شيركوه، الذي ما لبث أن توفي، فكان صلاح الدين بدلا منه. وكان أول ما عمله صلاح الدين وزير مصر أن أسقط عن أهل مصر المكوس والضرائب، ثم أنشأ قلعة الجبل، وسور القاهرة، ونشر صلاح العدل بين الناس، وتقرب إلى الشعب المصري، وعطف عليه حتى أحبه شعب مصر، ولم يأت على صلاح الدين عام 566هـ حتى قضى على المذهب الشيعي في مصر، ونشر المذهب السني، وأزال الخلاف المذهبي بين المسلمين، وبنى صلاح الدين مدارس للفقه السني الشافعي منه والمالكي. وكذلك استطاع صلاح الدين في فترة قليلة أن يقضي على كل عملاء الصليبيين في مصر، وعلى رأسهم "الطواش" مؤتمن الخلافة. ففي يوم من الأيام وقعت في يد صلاح الدين رسالة مختومة بخاتم الخلافة، تحرض هذه الرسالة الصليبيين على دخول مصر، وطرد صلاح الدين منها، وعلم صلاح الدين يوسف بن نجم الدين أيوب أن "الطواش" وراء هذه الرسالة، فأمر بالقبض عليه وقتله. فلما سمع أهل السودان بقتل "الطواش" غضبوا، لأن "الطواش" كان منهم، فاجتمعوا لقتال صلاح الدين، وإخراجه من مصر، ولكن شجاعة صلاح الدين حالت دون مرادهم، فهزمهم وطردهم خارج البلاد.

توحيد الصف:

كان هم صلاح الدين الأكبر هو توحيد صف المسلمين للتصدي للصليبيين.. الذين عاثوا في الأرض فساداً، واستوطنوا القدس الشريف.. وسنحت الفرصة لصلاح الدين لتوحيد صف المسلمين عندما مات الملك نور الدين محمود ملك الشام، وتولى ابنه وكان ضعيفاً، فأرسل صلاح الدين يوسف بن نجم الدين أيوب أخاه فأخضع أهل اليمن.. ثم سار صلاح الدين بنفسه إلى بلاد الشام، فاستولى عليها، ودانت له البلاد، وأصبحت معظم بلاد المسلمين تحت قبضته. أقام صلاح الدين يوسف بن نجم الدين أيوب العدل في البلاد، ونشر العلم، ورفع راية الجهاد، وتحولت ديار الإسلام إلى ما يشبه الثكنات العسكرية التي يتدرب فيها المواطنون على الحرب والجهاد، وأطلق على صلاح الدين لقب "الملك الناصر".

الطريق إلى القدس:

مرض الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن نجم الدين أيوب مرضاً شديداً، وأوشك خلال مرضه ذلك على الموت، ويئس منه الأطباء، فأشار عليه القاضي الفاضل أن ينذر نذراً لله، فنذر صلاح الدين إن شفاه الله أن يجعل همته كلها في قتال الصليبيين، ولا يقاتل مسلماً، ونذر أن يجعل أكبر همه فتح بيت المقدس، ولو أنفق في سبيل الله جميع ما يملكه من الأموال والذخائر.. وأقسم الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن نجم الدين أيوب أن يقتل "البرنس" صاحب الكرك بيده، لأنه نقض العهد؛ وذلك حينما اعتدى على قافلة ذاهبة من مصر إلى حج بيت الله الحرام، فنهب أموال القافلة كلها، وضرب رقاب من فيها من رجال ونساء وهو يقول: أين محمد كم.. دعوه ينصركم. وما هي إلا ساعات حتى شفى الله - تعالى - صلاح الدين، واسترد عافيته كاملة، فعزم على الوفاء بنذره الله تعالى، فأذن داعي الجهاد: حي على الجهاد.. حي على الجهاد.. وتقدم الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن نجم الدين أيوب جيش المسلمين، وسار إلى البلاد الخاضعة للصليبيين، وأخذ يحررها مدينة بعد مدينة حتى وصل إلى بيت المقدس، حيث تحصن الصليبيون داخل المدينة، واضطر صلاح الدين لحصار المدينة، حتى تم له الفتح سنة 583هـ (1188م).. بعد الفتح عقد صلاح الدين مع الصليبيين صلحاً حقناً للدماء، ودخل بيت المقدس ظافراً منتصراً رافعاً رايات النصر والتوحيد ومكبراً.. الله أكبر.. الله أكبر .. لم يقتل صلاح الدين طفلا أو امرأة أو شيخاً كبيراً، بل عامل الصليبيين بالرحمة والشفقة، وأطلق صلاح الدين سراح الشيوخ والضعفاء ولم تنهب جيوش صلاح الدين بيتاً، أو تخرب زرعاً، أو تقطع شجراً، وحينما جمعت غنائم الحرب وقسمت بين الجنود والقادة، تنازل صلاح الدين عن نصيبه للفقراء من النصارى، وجعل الأسرى الذين كانوا من حظه أحراراً.

رحمة صلاح الدين:

بينما كان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن نجم الدين أيوب سائراً ذات يوم في بعض طرقات مدينة بيت المقدس قابله شيخ نصراني كبير السن، يعلق صليبا ذهبيا في رقبته، فقال له: أيها القائد العظيم لقد كتب لك النصر على أعدائك، فلماذا لم تنتقم منهم، وتفعل معهم مثل ما فعلوا معك؟ فقد قتلوا نساءكم وأطفالكم وشيوخكم عندما غزوا بيت المقدس.. فقال له صلاح الدين: أيها الشيخ يمنعني من ذلك ديني الذي يأمرني بالرحمة بالضعفاء، ويحرم علي قتل الأطفال والشيوخ والنساء.. فقال له الشيخ: وهل دينكم يمنعكم من الانتقام من قوم أذاقوكم سوء العذاب؟ فأجابه صلاح الدين: نعم إن ديننا يأمرنا بالعفو والإحسان، وأن نقابل السيئة بالحسنة، وأن نكون أوفياء بعهودنا، وأن نصفح عند المقدرة عمن أذنب. فقال الشيخ : نعم الدين دينكم، وإني أحمد الله على أن هداني في أيامي الأخيرة إلى الدين الحق. ثم سأل: وماذا يفعل من يريد الدخول في دينكم؟ فأجابه صلاح الدين: يؤمن بأن الله واحد لا شريك له، وأن محمداً عبده صلى الله عليه وسلم ورسوله، ويفعل ما أمر الله به، ويبتعد عما نهى الله عنه. فأسلم الشيخ من فوره، ثم ذهب إلى بيته ودعا أبناءه إلى الإسلام فأسلموا أبناؤه.

شهامة صلاح الدين:

ذات يوم كان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن نجم الدين أيوب يتفقد أحوال الجنود، فرأى امرأة من الصليبيين تبكي وتضرب على صدرها، فسألها. فسألها عن قصتها، فقالت: دخل المسلمون خيمتي، وأخذوا ابنتي الصغيرة، فنصحني الناس أن أذهب إليك، وقالوا: إن السلطان صلاح الدين رجل رحیم، فدمعت عينا صلاح الدين، وأمر أحد الجنود أن يبحث عن الصغيرة، وعمن اشتراها ويدفع له ثمنها، ويحضرها، فما مضت ساعة حتى وصل الفارس والصغيرة على كتفه، ففرحت الأم فرحاً شديداً، وشكرت صلاح الدين على مروءته وشهامته وحسن صنيعه.

رجل السلام:

لما علم ملوك أوربا بانتصار صلاح الدين، ودخوله بيت المقدس، وقتله صاحب الكرك، أجمع ملوك أوربا على غزو ديار الإسلام، وإعادة بيت المقدس لأيدي الصليبيين، وتزعم راية الجهاد المقدس ضد المسلمين ملك انجلترا آنذاك "رتشارد قلب الأسد". وتحركت فرسان أوربا بحراً حتى وصلت إلى عكا، فدخلتها بسبب خيانة واليها، ثم واصلت الزحف إلى بيت المقدس، ولكن صلاح الدين دافع عن بيت المقدس، ورفض الاستسلام لحصار الصليبيين حتى يئس "رتشارد" وتراجع عن حصار بيت المقدس، وطلب من صلاح الدين عقد صلح، فوافق صلاح الدين، وأوقف القتال، وعقد صلح الرملة، وعاد ملوك أوربا يجرون أذيال الخيبة.

لقاء الله:

بعد أن أتم الله النصر للمسلمين، وخلص بيت المقدس من الصليبيين، عاد صلاح الدين إلى دمشق، وهناك مرض، واشتد عليه المرض، وفي ليلة الأربعاء السابع والعشرين من صفر سنة 589هـ أصيب صلاح الدين بغيبوبة طويلة، فجلس بجواره أحد المقرئين، ليقرأ عنده القرآن، فلما وصل القارىء إلى قوله تعالى: { لا إلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ } تبسم وجه صلاح الدين، وانتقلت روحه إلى رضوان الله، ودفن في قلعة دمشق، فجزاه الله عن بيت المقدس والمسلمين خير الجزاء.

تعليقات